[center]
جريمة الرشوة
تعريف الرشوة :
الرشوة هي طلب أو أخذ أو قبول لوعد أو عطية يصدر من موظف عام أو من في حكمه للقيام بعمل أو امتناع أو إخلال بواجبات وظيفته.
أطراف الرشوة :
تظهر على مسرح جريمة الرشوة ثلاث شخصيات : الشخصية الرئيسية هي الموظف العام. أما الشخصية الأخرى فهي الراشي . بالإضافة إلى كلتا الشخصيتين تظهر أحيانا شخصيات ثانوية وهي الوسيط بين الاثنين والمستفيد من الرشوة .
المصلحة محل الحماية في جريمة الرشوة :
يحمي المشرع بتجريمه للرشوة المصلحة عامة بشكل مباشر ، فجريمة الرشوة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة . هذه المصلحة هي حسن سير الوظيفة العامة . هذه الوظيفة يتعرض أداؤها اليومي للأخطار إن لم يكن للأضرار إذا لجأ الموظف إلى الاتجار بعمله للحصول على فائدة معينة . ذلك أن هذا يدفعه إلى الامتناع عن القيام بعمله مادام أنه لم يحصل على الفائدة التي قدّرها لكي يقوم بواجبه . بل إن الموظف - في بعض الحالات - قد يقدم على مخالفة واجبات وظيفته طمعا في مغنم معين يجنيه من صاحب الحاجة .
أولاً:الشروط المسبقة (المفترضة) في جريمة الرشوة
المقصود بالشرط المفترض في جريمة الرشوة :
لا تقع جريمة رشوة الموظفين العموميين بالمادة 103 عقوبات إلاّ من موظف عام مختص. فالمرتشي في جريمة الرشوة هو موظف عام وتوافر فيه شرط الاختصاص . ومعنى هذا أن جريمة الرشوة يلزم لوقوعها توافر الشرطين الآتيين في الفاعل:
1 - أن يكون الفاعل موظفا عاما
2 - أن يكون هذا الفاعل مختصا بالعمل المطلوب
صفة الموظف العام
كشرط مفترض في جريمة الرشوة
مفهوم الموظف العام في جريمة الرشوة :
ينطوي مفهوم الموظف العام في جريمة الرشوة على طائفتين : الطائفة الأولى وتتضمن الموظفين العموميين بالمعنى المحدد به في القانون الإداري ، والطائفة الثانية وتتضمن أشخاصا يعتبرهم قانون العقوبات في حكم الموظفين العموميين في أحكام جريمة الرشوة على وجه الخصوص .
الطائفة الأولى : الموظفون العموميون في القانون الإداري
يخاطب كل موظف عام في القانون الإداري بأحكام الرشوة . وبالتالي فإنه إذا صدر عنه النشاط المعاقب عليه في جريمة الرشوة فإنه يسأل عن ذلك من الناحية الجنائية. وبناء عليه فإنه يُرجع إلى القانون الإداري في تعريفه لمفهوم الموظف العام ، ذلك أن الأمر يتعلق بشرط مفترض في وقوع الجريمة. ويتكفل القانون الإداري بتحديد هذا المفهوم وبيان شروط توافره ، وذلك على النحو التالي :
أولا - الإحالة إلى القانون الإداري لتعريف الموظف العام :
لم يضع قانون العقوبات تعريفا موحدا للموظف العام يسري على كافة الجرائم التي تقع منه كفاعل وعليه كمجني عليه . والأمر عندئذ يدور بين أمرين إما أن يحدد قانون العقوبات المقصود بالموظف العام بصدد جريمة معينة أو مجموعة جرائم كجريمة الرشوة أو جرائم العدوان على المال العام (الاختلاس - الاستيلاء ) أو أنه يورد تعبير الموظف العام دون أن يضع له مفهوما محددا ، كما حدث في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية ، وكما هو الحال في قانون الإجراءات الجنائية ( وخاصة المادة 63 / 3 ).
والقاعدة أنه إذا لم يحدد قانون العقوبات المقصود بالموظف العام بصدد الجريمة ، فإن الأصل هو الإحالة إلى القانون الإداري . هذا الأخير هو الذي يختص بمعالجة أحكام الوظيفة العامة . ويلاحظ أن المشرع حدد المقصود بالموظف العام في صدد تجريمه للرشوة بحيث يشمل المعنى المقرر في القانون الإداري وزاد عليه طوائف أخرى جعلهم في حكمه .
والموظف العام - وفقا لتعريف المحكمة الإدارية العليا - هو الشخص الذي " يعين بصفة مستمرة غير عارضة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الحكومة المركزية أو السلطات الإدارية اللامركزية بالطريق المباشر.
ثانيا - شروط الموظف العام :
يتضح من التعريف السابق للموظف العام وفقا للقانون الإداري ضرورة توافر شروط ثلاثة :
الشرط الأول - التعيين
الشرط الثاني - في خدمة مرفق عام يدار بالإدارة المباشرة
الشرط الثالث - دائمية العمل
الطائفة الثانية : من هم في حكم الموظف العام
المفهوم الموسع للموظف العام في قانون العقوبات :
على الرغم من أن الرشوة هي أصلا جريمة الموظف العام وأن القانون الإداري هو الذي يتكفل بوضع مفهوم محدد للموظف العام ، فإن المادة 111 عقوبات قد وسعت مجال انطباق جريمة الرشوة . فقد نصت المادة السابقة على عدة طوائف من العاملين ليسوا أصلا من الموظفين العموميين وجعلتهم مخاطبين بأحكام الرشوة .
ومعنى هذا أن مفهوم الموظف العام في جريمة الرشوة هو أكبر اتساعا من مفهوم الموظف العام في القانون الإداري . وقد توسع المشرع أيضا في مفهوم الموظف العام بصدد جرائم المال العام بمقتضى نص المادة 119 مكررا من قانون العقوبات .
ويدخل في حكم الموظف العام الطوائف التالية:
1- المستخدمين في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها
2 - أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية ، سواء أكانوا منتخبين أو معينين.
3 - المحكمين أو الخبراء ووكلاء الديانة والمصفين والحراس القضائيين .
4 - المكلفين بخدمة عامة
5 - العامين في شركات القطاع العام وفي الشركات ذات الاقتصاد المختلط
- العاملون بالقطاع العام
- المكلفون بخدمة عامة
شرط الاختصاص
المقصود بالاختصاص :
لم تحدد النصوص حالات الاختصاص ولكن أحكاما عديدة تعرضت لهذا الموضوع بالشرح والتحليل ، فأبانت مفهومه وتوسعت فيه على ما سيلي بيانه.
مصدر الاختصاص :
قد يستمد الموظف اختصاصه من الدستور مباشرة كما هو الحال بالنسبة لكبار رجال الدولة كرئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب ورجال القضاء . وقد يستمد الموظف اختصاصه من قانون تشريعي كما هو الحال بالنسبة للوزراء. وقد يستمدها من قرار إداري كقرار التعيين.
حالات الاختصاص الحقيقي :
يكون الموظف مختصا بالعمل المطلوب لقاء مبلغ الرشوة في الفروض التالية :
(أ) الاختصاص الكلي :
ينتمي هذا الفرض إلى حالات السلطة التقديرية أو المقيدة للموظف . فإذا كان الموظف يجب عليه وفقا للقانون أن يصدر قرارا معينا في ظروف معينة، وكان يملك إصدار هذا القرار وحده ، فإن شرط الاختصاص يتوافر ولا شك في هذه الحالة .
(ب) الاختصاص الجزئي :
كما يتحقق الاختصاص بانفراد الموظف بالعمل فإنه يكفي أن يكون الموظف عضوا في لجنة هي التي تتخذ القرار . فإذا طلب الموظف مقابلا من صاحب الحاجة لاستصدار قرار معين من اللجنة فإن جريمة الرشوة تقع لتوافر شرط الاختصاص .
ومن تطبيقات ذلك أن يقبل أحد أعضاء لجنة التعيينات وعدا بمقابل للموافقة على تعيين شخص بجهة العمل أو أن يكون الموظف المرتشي ضمن لجنة البت في مزايدة أو مناقصة يريد صاحب المصلحة أن يساعده في رسو العطاء عليه .
ويلاحظ أن رئيس المحكمة عضو ضمن أعضاء المحكمة الذين يصدرون الحكم وبالتالي فإن الاختصاص ينعقد له فيما يخص القضايا المعروضة أمام المحكمة . وقد قضت محكمة النقض بذلك ورفضت دفاع المتهم بعرض رشوة على رئيس إحدى المحاكم بقولها " أما القول بأن رئيس المحكمة بعد أن جالس المتهم المعروض قضيته عليه قد ف قد صلاحيته وانقطعت صلته بالدعوى فهو قول يتضمن مغالطة كبيرة ، إذ إن المتهمين وهما يعرضان عليه الرشوة كانا يعلمان بأنه القاضي الذي سيفصل في الاستئناف المرفوع من المتهم ".
3 - الرأي الاستشاري :
يتوافر الاختصاص كشرط في جريمة الرشوة حتى ولو لم يكن للموظف رأي حاسم في إصدار القرار ، بل كان له رأي استشاري .
من تطبيقات ذلك أن تأخذ الجهة العامة رأي مهندس الصيانة في مدى كفاءة معدات معينة يراد شراؤها ، فيصبح دور هذا الموظف أن يبدي رأيا حول هذه المعدات تاركا للجهة العامة أن يقرر شراؤها أو عدم شرائها . فعلى الرغم من أن المهندس لا يقرر الشراء أو لم ينصح بهذا الشراء ، إلاّ أن تقاضيه مقابلا لإبداء رأي معين حول صلاحية هذه المعدات من الناحية الفنية يكفي لتوافر الاختصاص كشرط في جريمة الرشوة . ذلك أنه يبدي رأيا استشاريا في الشراء بطريق غير مباشر ، عندما يبدي رأيا لصالح هذه المعدات من الناحية الفنية . وتقع هذه الجريمة إذا طلب أو أخذ أو قبل هذا المهندس مقابلا لإبداء رأي معين في مدى صلاحية هذه المعدات . فلا يشترط في الرشوة تحقق ضرر معين للجهة العامة من جراء الرشوة ، إذ إن جريمة الرشوة جريمة خطر وليست جريمة ضرر .
إثبات شرط الاختصاص :
يعتبر توافر أو عدم توافر شرط الاختصاص من الأمور التي يترك تقديرها لمحكمة الموضوع بغير معقب عليها مادام تقديرها سائغا مستندا إلى أصل صحيح ثابت في الأوراق.
الخروج على شرط الاختصاص
(الزعم بالاختصاص والاعتقاد الخاطئ به )
تقضي القاعدة العامة بعدم وقوع الرشوة إلاّ إذا كان الموظف مختصا بالعمل المطلوب في مقابل الفائدة . ومع ذلك فإن المشرع خرج على هذه القاعدة ونص على وقوع الرشوة في حالتين على الرغم من عدم اختصاص الموظف بالعمل المطلوب . هاتان الحالتان هما :
1 - حالة الزعم بالاختصاص
2 - حالة الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص
الزعم بالاختصاص
المقصود بالزعم بالاختصاص :
الزعم هو كذب يصدر من الموظف وادعاؤه أن عمله يمكنه من قضاء حاجة صاحب الحاجة ، بينما هو غير مختص أصلا بقضاء تلك الحاجة وبالتالي فإنه غير قادر على تلبية طلب الراشي .
فلم يعد قانون العقوبات يشترط أن يكون الموظف في جريمة الرشوة مختصا بالعمل أو الامتناع المطلوب منذ سنة 1953 . وأصبحت المادة 103 مكررا عقوبات تنص صراحة على سريان أحكام الرشوة بالنسبة إلى الموظف الذي يزعم أن العمل أو الامتناع من اختصاصه .
أما إذا لم يزعم الموظف أنه مختص بالعمل المطلوب وكان صاحب الشان يعلم أن الموظف غير مختص وقدم له مبلغ الرشوة لكي يقوم بخدمة مستفيدا من تسهيلات معينة تسمح بها وظيفته ، فإن جريمة الرشوة تقوم رغم ذلك ، استنادا إلى مخالفة الموظف لواجبات وظيفته. وبناء عليه فإن شرط الاختصاص يعتبر متوافرا استنادا إلى تفسير أحكام القضاء لمفهوم الاختصاص على النحو الذي سبق بيانه . من أمثلة ذلك أن يقوم الساعي بختم مستندات بخاتم المصلحة بدون وجه حق في غيبة أو في غفلة من الموظف المختص . ويُعد الساعي في هذا الفرض مختصا بالعمل وليس زاعما الاختصاص ، ذلك أنه ملتزم باحترام قواعد العمل ونظمه ومسلكه في هذا الشأن يمثل مخالفة لواجبات وظيفته .
شكل الزعم بالاختصاص :
الزعم سلوك إيجابي :
يلزم أن يُنسب إلى الفاعل سلوك إيجابي يتمثل في الكذب ، عندما يزعم أنه يستطيع أن يؤدى العمل الذي يطلبه منه الراشي من خلال ممارسته لوظيفته. فلا يكفي أن يعتقد صاحب الحاجة بطريق الخطأ ودون ادعاء من المتهم أنه الموظف المختص .
الزعم سلوك صريح أو ضمني :
لا يشترط في الزعم أن يكون صريحا . فقد يكون ضمنيا ، كما لو طلب منه صاحب الحاجة أن يقوم بهذا العمل لقاء فائدة أو هدية فقبل الهدية ، ذلك أن معناه أنه يزعم أنه قادر على القيام بهذا العمل من خلال عمله الوظيفي . تطبيقا لذلك قُضي بأن " الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح الموظف صراحة ، بل يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه ، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمنا زعمه بذلك الاختصاص. وتقدير توافر الزعم ضمنيا أو صريحا هو مسألة واقع لا تخضع لرقابة محكمة النقض طالما كان ذلك قائما على أسباب كافية وسائغة.
شروط الزعم بالاختصاص في الرشوة :
1 - أن يكون المتهم زاعم الاختصاص موظفا بنفس بالجهة التي يتوجه إليها صاحب الحاجة طلبا للخدمة التي يريدها .
2 - أن يكون الزعم بالاختصاص محل تصديق وفقا لمعيار الرجل العادي .
ثانيا - الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص
أضاف المشرع في سنة 1962 حالة الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص بحيث تصبح الرشوة ممكنة الوقوع ليس فقط من الموظف المختص بالعمل أو الذي يزعم الاختصاص ، بل من الموظف الذي يعتقد خطأ أنه مختص به. من ذلك أن يكون رئيس الموظف في العمل قد اعتاد أن يعهد إليه بأعمال معينة ثم غير تلك العادة واستمر الموظف معتقدا باستمرار اختصاصه بشأنها.
افتراضي
ثانياً:الركن المادي في جريمة الرشوة
الرشوة جريمة خطر :
ليست الرشوة جريمة ضرر، لأن الإضرار بسير الوظيفة العامة ليس ركنا لازما لوقوع تلك الجريمة . بل تقع الرشوة بمجرد الأخذ أو الطلب أو القبول من جانب الموظف للفائدة . عندئذ تقع الجريمة متكاملة الأركان . ولا يلزم الانتظار حتى يؤدي الموظف العمل الذي تقاضى مبلغ الرشوة من أجله ز فتقع الجريمة حتى ولو كان الموظف منتويا عدم القيام بالعمل المطلوب من أجل الرشوة .
النتائج المترتبة على اعتبار الرشوة من جرائم الخطر :
يترتب على اعتبار الرشوة من جرائم الخطر النتائج التالية :
1 - تبنى المشرع مفهوما موسعا للموظف العام عن ذلك الذي اعتنقه القانون الإداري. فلا يلزم أن يكون الفاعل موظفا عاما بالمعنى المعرّف به في القانون الإداري . وقد سبق بيان أن المشرع - في المادة 111 عقوبات - قد ألحق بطائفة الموظفين في القانون الإداري طوائف أخرى جعلها في حكم الموظفين العموميين
2 - لا يشترط أن يكون الموظف العام مختصا بالعمل المطلوب ، بل يكفي أن يكون زاعما الاختصاص أو معتقدا خطأ بأنه مختص .
3 - لا يشترط في الاختصاص أن يكون العمل المطلوب داخلا في أعمال وظيفة الفاعل، بل يكفي أن يكون له صلة وظيفية بهذا العمل المطلوب .
4 - تقع الجريمة بمجرد الطلب أو القبول من الموظف ، فلا يلزم أن يؤدي الموظف العمل المطلوب.
5 - لا يلزم أن تنصرف نية الموظف إلى أداء الخدمة المطلوبة منه. فتقع الجريمة حتى ولو كان الموظف المرتشي منتويا عدم القيام بهذا العمل .
6 - تقع جريمة الرشوة حتى ولو لم يتسلم الموظف المرتشي الفائدة التي اتفق عليها .
7 - يستوي في جريمة الرشوة أن يطلب الموظف أو يقبل فائدة لنفسه أو لغيره. فالرشوة تكتمل أركانها حتى ولو لم يستفد الموظف شيئا لنفسه ، فيكفي أن ينصرف قصده إلى مساعدة زميله في الاتجار بأعمال الوظيفة حتى يعتبر فاعلا أصليا في الجريمة وليس شريكا فيها.
8 - يستوي لوقوع جريمة الرشوة أن تكون الفائدة مادية أو معنوية.
عناصر الركن المادي في الرشوة :
يقوم الركن المادي في جريمة الرشوة على العناصر الآتية :
1 - نشاط متمثل في : أخذ أو طلب أو قبول
2 - محل النشاط : وهو الفائدة
3 - وقت النشاط الذي يميز بين الرشوة في صورتها العادية والرشوة اللاحقة والمكافأة اللاحقة .
صور النشاط في جريمة الرشوة
( الأخذ - القبول - الطلب )
أولا - الأخذ :
الأخذ هو حصول الموظف على الجعل أو الفائدة التي تمثل المقابل في الرشوة . ولا عبرة بطريقة حصوله عليها . فقد يكون ذلك بحصوله شخصيا عليها . وقد يتم ذلك بحصول المستفيد الذي عينه الموظف للرشوة سواء كان قريبا للموظف أو غير قريب . وقد يتناول الموظف هذا المقابل وقد يتم وضع مقابل الرشوة تحت تصرفه كما لو وضع مبلغ الرشوة في حسابه الخاص في أحد البنوك.
ثانيا - القبــول :
على خلاف الأخذ الذي يحصل فيه الموظف على مقابل الرشوة فورا ، يتم القبول بالموافقة على وعد الرشوة . أما إذا كان هناك إعطاء للفائدة فقبلها المرتشي ، فإن الأمر يتخذ عندئذ صورة الأخذ ، وهي الصورة الأولى للرشوة .
وعلى هذا فإن الحصول على الفائدة ليس ركنا في الجريمة . فالرشوة تقع بمجرد قبول وعد بالرشوة . بل إن الجريمة تقع حتى ولو كان الجاني ينوي الوفاء بالتزامه إزاء الراشي، أي كان منتويا عدم القيام المطلوب . ذلك أن تنفذ هذا العمل ليس ركنا في الجريمة .
ثالثا - الطلب :
المقصود بالطلب هنا هو الإيجاب الذي يصدر من الموظف والذي يصل صاحب الحاجة في شكل عرض لأداء خدمات تتعلق بوظيفته في مقابل معين .
ويعد الطلب أخطر صور الارتشاء ، ذلك أن الموظف وصل به الأمر إلى أن يطلب بنفسه المقابل لأداء عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بأعمال تلك الوظيفة .
وتقع الجريمة بمجرد هذا الطلب حتى قبل أن يحصل الموظف على الفائدة. في ذلك قضت محكمة النقض بأن جريمة الرشوة تتم بمجرد طلب الرشوة من جانب الموظف وأن تسلم المبلغ بعد ذلك ليس إلاّ نتيجة لما تم الاتفاق عله بينهما. وتقع جريمة الرشوة حتى قبل أن يوافق صاحب الحاجة على هذا العرض من جانب الموظف ، ولا يحول دون وقوع الجريمة أن يرفض صاحب الحاجة إعطاء المقابل المطلوب بعد أن صدر الطلب من جانب الموظف.
أنواع الطلب :
يمكن أن يتخذ الطلب صورتين :
- الصورة الأول : الموظف يطلب لنفسه
- الصورة الثانية : الموظف يطلب لغيره
ساوى القانون بين أن يطلب الموظف المرتشي لنفسه المقابل أو أن يطلب لغيره . هذا الغير قد يكون زميلا له في العمل ، وقد يكون المستفيد من الرشوة شخصا غير موظف . هذا المستفيد ربما يكون ابن الموظف أو زوجته أو صديقا له أو أي شخص آخر يهم الموظف أمره ، ولذلك طلب أن يصله المقابل في الرشوة
طريقة الطلب :
قد يتم الطلب بطريقة مباشرة وقد يتم بأسلوب غير مباشر ، أي أنه قد يتم مباشرة أو عن طريق وسيط .
(أ) الطلب المباشر :
يتفق الطلب المباشر عندما يتصل الموظف بصاحب الحاجة . لا يهم بعد ذلك أن يكون الموظف هو الذي بادر بالاتصال بصاحب الحاجة أو أن هذا الأخير هو الذي أخذ بزمام المبادة في الاتصال طالبا قضاء حاجته فطلب الموظف منه مقابلا .
(ب) الطلب عن طريق وسيط :
يستعين الموظف - في هذا الفرض - بوسيط للاتصال بصاحب الحاجة ليعرض عليه طلباته في إتمام العمل المطلوب له في مقابل مبلغ الرشوة .
ولا تقع جريمة الرشوة عن طريق وسيط إلاّ إذا اتصل الوسيط بصاحب الحاجة عارضا عليه طلب الموظف . هذا الوسيط يُعد في واقع الأمر وكيلا عن الموظف . وبالتالي فإنه يلزم أن يتم هذا الاتصال لتتم الجريمة . ولا يحول دون وقوع الجريمة أن يرفض صاحب الحاجة هذا العرض الذي وصله عن طريق الوسيط . فالجريمة تقع ويُعد الموظف فاعلا أصليا في جريمة الرشوة . أما الوسيط فإنه شريك بالمساعدة مع الموظف إلاّ إذا كان هذا الوسيط هو موظف زميل للموظف المرتشي ، فإنه يُعد عندئذ فاعلا أصليا في جريمة الرشوة أيضا .