القلب الابيض عضو
عدد المساهمات : 222 السٌّمعَة : 47 تاريخ التسجيل : 02/03/2011
| موضوع: هل للحياة مقياس؟ الأربعاء 9 مايو - 12:30 | |
|
هل للحياة مقياس؟ خطر هذا السؤال في بالي أول مرة وأنا استعرض في خيالي حياة حارس المنارة. أهو حي؟ ذلك الرجل المنقطع عن الحياة والأحياء. هناك في عرض البحر. وحده. وحده من كل نأمة وكل حركة إلا أصوات الموج المصطخب أحياناً، الهادىء الرتيب أحياناً أخرى. وصوت الريح المزمجرة في غضب عنيف تارة، المرسلة رخاء تارة أخرى. وهذا الشعاع من النور الذي يرسله في الفضاء لتراه السفن من مكان بعيد. أهو حي؟ ذلك الرجل المنقطع عن الحياة والأحياء. الصامت لا يتحدث. الساكن لا يتحرك. الذي يعيش في بقعة محدودة لا يملك أن يزيد عليها شيئاً في الفضاء الواسع الممتد حوله لغير نهاية؟ أو حي؟ وحتى الماء والطعام لا يصلان إليه إلا مرة كل أسبوع أو مرة كل أربعين يوماً. وهو معلق بمرور السفينة التي تحمل إليه هذا الطعام، كأنها القدر الذي يحمل الحياة.. أو الفناء. أهو حي؟ هل يحس أن بينه وبين الحياة رابطة؟ أهو حقيقة؟ أم هو شخص أسطوري.. شبح يلمحه الإنسان في خياله، ولا وجود له في عالم الحقيقة؟ *** واتسع السؤال في خيالي، واتخذ طريقاً آخر... هل للحياة مقياس يمكن أن نقيس به حياة هؤلاء الأشخاص، فنعرف أحياء هم أم غير أحياء؟ مقياس مدرج يمكن ان يقول لنا: هذا حي في درجة الصفر، وذلك حي في درجة المائة. وإذا وجد هذا المقياس فما مفرداته؟ أو درجاته التي يقيس بها الأحياء؟ وهل نستطيع أن نعرف به "درجة" الحياة عند حارس المنارة وساكن الواحة وساكن الريف؟ ثم أيها الحي بهذا المقياس _إن وجد _ الرجل الأمريكي المتوفز _ في ظاهر العين _ حياة وحركة، أم الرجل الصيني الذي يبدو _لظاهر العين _ بليد بطيئاً لا يتحرك ولا يعيش؟ واستبد السؤال بنفسي حتى أحدث لي أزمة حقيقية! أزمة عاطفية وفكرية. أزمة تملأ أعماق نفسي وتصل إلى أغوارها. هل للحياة مقياس؟! نعم. ما مقياس الحياة؟! هذا الفتى الغارق في لذائذ الحس، لا يدع لحظة تمر إلا أن يكون فيها متعة تشبع رغبة جامحة في كيانه. أو تستثير رغبة أخرى.. الخمر والنساء.. والملبس والطعام.. والفراش الوثير.. والمسكن الأنيق.. في كل شيء متاع، وفي كل شيء لذة. فما الذي يمكن أن يحتجز الإنسان عن ذلك المتاع؟ التفكير؟ وما قيمة التفكير؟ وفيم يفكر الإنسان، إلا في الطريقة التي يزيد بها نصيبه من متعة اللحظة الحاضرة؟ وما المستقبل الذي يمكن أن يفكر فيه؟ أليس هو لحظات كالتي يعيش فيها الآن، تسمى المستقبل لأنها لم تجىء بعد، ولكنها حين تجىء تصبح كاللحظة التي يعيش فيها اليوم، وكاللحظة التي مرت أمس. كيف عاش هذه وتلك؟ عاشها. استمتع فيها بما كان في يده من متاع. فلماذا إذن يفكر؟ وفي أي شيء؟! وهذا الفتى الذي حرم نفسه من كل لذائذ ذلك المفتون، لأن له في الحياة "هدفا" يريد تحقيقه ويجاهد في سبيله. هدف أعلى من لذائذ الجسد ومتعة اللحظة الحاضرة. هدف يحقق الخير لمجموعة من الناس.. ولو على حساب راحته وأعصابه ونصيبه من الحياة. يقوم في الصباح.. لا موعد مع فتاة.. لا موعد على كأس.. لا وقت لنزهة. لا جلسة للسمر بلا هدف.. لا فراغ من الوقت يسعى "لقتله" على نحو من الأنحاء. صراع يملأ وقته وحياته. ولا يلفته إلى نفسه وإلى نصيبه من المتاع.. وهذا الفتى الثالث الذي لا يعرف لذائذ الجسد، ولكنه كذلك لا يصارع في خضم الحياة.. الفتى الغارق في أحلام من المثل العليا الرفيعة المشرقة.. أحلام تملأ نفسه فلا تترك فيها فراغا للجسد، ولا اتجاها لممارسة الحياة في الواقع.. فتى مرهف الحس رقيق الشعور.. لا يرتكس في الشر ولا يهبط إلى حيوانية الغريزة. ولكنه منعزل كذلك عن الناس. لا يكرههم ولا يتمنى لهم الشر. بل هو شديد العطف عليهم والحب لهم. ولكنه يكره جهد الواقع ويعيش في الأحلام. أيهم حي؟ وما مقياس الحياة؟! لو أخذنا مقاييسهم الشخصية فكل واحد من هؤلاء حي في نظر نفسه، وحياته هي الحياة. وأغلب الظن أنه ينظر إلى حيوات الآخرين نظرة السخرية والرثاء! والفتى الغارق في لذائذ الجسد يرى كل شيء عدا ذلك عبثا وإضاعة وقت. ويرى أنه هو وحده الذي يفهم الحياة حق فهمها، ويعيشها على أصولها. بينما الفتى المكافح لا يرى فيه أكثر من حيوان هابط يأكل ويشرب ويستمتع ولكنه لا يعيش. وإنه هو الذي يعيش حقاً. يعيش الحياة في أعلى مستوياتها. أما الفتى الحالم فقد يحترم المكافحين ويقدرهم. ولكنه _في غالب الظن _ مغتبط بحياته كما هي. يراها _على خوائها من كل واقع ملموس _ غنية بالمشاعر والأفكار، غنية بالسبحات العليا التي تمثل في نظره لباب الحياة! وتظل الحيرة كما هي. وتظل الحياة بلا مقياس! المقاييس الشخصية إذن لا تصلح لقياس الحياة. وتظل الحيرة كما هي. وتظل الحياة بلا مقياس! فهل هناك مقياس موضوعي نقيس به هذه المتناقضات، ونضعها في مكانها الحق بعضها بالنسبة لبعض، وبالنسبة لحقيقة الحياة؟ وتمتد الحيرة بي أياما وأسابيع.. وسنين! ثم أفكر في فكرة.. لعلها تفتح الطريق.. ما عيب كل واحد من النماذج السالفة؟ وهل هناك نفس "نموذجية" نقيس بها انحراف هذه النفوس؟ وتعود إليّ حيرتي القديمة.. وفجأة.. في وسط هذه الحيرة الشاملة، تبرز إلى خاطري صورة، وتبزغ أمامي شخصية فذة.. تبزغ شخصية محمد بن عبد الله. محمد _صلوات الله وسلامه عليه _ هو النفس النموذجية! انظر إلى جوانبه المتعددة جميعاً.. إنه يجمع في كل منها نفسا كاملة! يتحرك في واقع الأرض.. فتنتج حركته بناء أمة فريدة البناء.. غير مسبوقة في الزمن كله منذ بدء الخليقة. ويسكن إلى ربه في لحظات المتعة الروحية المرفرفة الطليقة.. ولا ينسى نصيبه من الدنيا. ذلك هو الإنسان الحق. النفس النموذجية الكاملة. وهي النفس التي تتمثل فيها الفكرة الإسلامية الكاملة. فكرة التوازن بين القوى جميعا والاتجاهات جميعا والمتع جميعا.. وقد استطاعت هذه النفس أن تجتذب إليها بدافع الحب وحده، وبدافع الاحترام البالغ الذي لا يمنعه أن يكون تقديسا إلا خوف الله الواحد المعبود.. استطاعت أن تجتذب إليها ملايين وملايين من البشر على مدار التاريخ. في النفس البشرية إذن رصيد تتجاوب به مع تلك النفس الكاملة. وليس معنى ذلك أن يصبح الناس كلهم _أو أحدهم _ محمد بن عبد الله. وإنما معناه _كما يقول القرآن _ أن في رسول الله للناس أسوة حسنة. أسوة يحاولون الاقتداء به، كل على قدر طاقته _لا يكلف الله نفساً إلا وسعها _ ويقتدون به في فكرته الشاملة عن الحياة، التي هي حقيقة الفكرة الإسلامية. فيأخذون بنصيب من متعة الروح، ومتعة الفكر، ومتعة الجسد. يتحركون في عالم الواقع، ويسكنون إلى الله، ولا ينسون نصيبهم من الدنيا. ذلك هو المقياس الذي يقدمه الإسلام للحياة. وهو لا يفرضه على الناس فرضاً، فقد انجذبوا إليه مختارين حين رأوه يتمثل في شخص بشر، وأحبوه كما لم يحب أحد أحداً في التاريخ. في صميم النفس الإنسانية استجابة لهذا المقياس، حين تنكشف بصيرتها. وتزيح عنها غشاوة "الواقع" المنحرف الذي تعيش فيه. حدث ذلك مرة في الجزيرة العربية. حين فتح العرب عيونهم على النور الجديد، ووضعوا حياتهم على هذا المقياس فرأوا ما كان فيها من انحراف، فانطلقوا يصححون نفوسهم.. بل لقد أبصروا فإذا نفوسهم المنحرفة تصح وحدها بفعل كفعل السحر، لا يدرون من أين أتى، ولا كيف أخذ بمجامع قلوبهم.. إلا أنه من عند الله، وعلى يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدث في كل مرة انفتحت فيها بصيرة شخص على هدى الإسلام. ويمكن أن يحدث مرة ومرة... ويلتقي البشر على هذا المقياس الذي يكشف عن مدى انحراف الناس، ويلهمهم كيف يثوبون إلى التوازن الصحيح. ولكن ... هل يستجيب البشر؟ أحسب أن الحيرة التي يقع فيها العالم اليوم.. حيرة المشاعر والأفكار والنفوس. حيرة الأعصاب القلقة والأوضاع المضطربة. حيرة الفزع من الدمار الرهيب. أحسب أن هذه الحيرة كفيلة أن تجعلهم يثوبون إلى مقياس الحياة الصحيح.
| |
|
رجل من زمن جميل المشرف المميز
عدد المساهمات : 3688 السٌّمعَة : 453 تاريخ التسجيل : 03/03/2011
| موضوع: رد: هل للحياة مقياس؟ الأربعاء 9 مايو - 19:10 | |
| جزاك الله كل خير على روعه ما قدمت من طرح قيم الله يسعدكـ دنيا وآخرة ويعينكـ على تقديم كل ما فيهـ نفع لنا ولكـ وللمسلمين أجمعين
| |
|
محمد العادل عضو
عدد المساهمات : 140 السٌّمعَة : 14 تاريخ التسجيل : 10/06/2011
| موضوع: رد: هل للحياة مقياس؟ الخميس 10 مايو - 7:23 | |
| | |
|
الحامد عضو
عدد المساهمات : 2 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 11/02/2012
| |
فاطمة الزهراء المدير العام
عدد المساهمات : 1508 السٌّمعَة : 249 تاريخ التسجيل : 15/06/2011
| |