Admin الادارة
عدد المساهمات : 4925 السٌّمعَة : 344 تاريخ التسجيل : 26/02/2011
| موضوع: حين يغترب المرء عن وطنه يكون الحنين إليه واضحاً في أصغر الأشياء الإثنين 12 ديسمبر - 17:58 | |
|
حين يغترب المرء عن وطنه يكون الحنين إليه واضحاً في أصغر الأشياء التي قد لا يلتفت إليها من لم يغادره. حين يعيش المرء في وطنه يكون الوطن بالنسبة له وضعاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً قد يتفق أو يختلف معه الفرد وما إلى ذلك من نظرة عملية ترى الوطن مجموعة مشاكل يبحث الفرد عن حل لها. حين يبتعد المرء عن وطنه يتجرد مفهوم الوطن ولا يبقى منه غير الرمز, التاريخ, المعنى.
لهذا أحرص كمقيم بالخارج على إظهار انتمائي لوطني في أصغر الأشياء: أحرص دائماً على الاحتفاظ بأوراق بردية وأطباق وأكواب عليها رسومات فرعونية وإهدائها إلى أصدقائي وتزيين بيتي بها ووضعها على مكتبي في مكان عملي, أجعل صورة الأهرام أو النيل أو أبي الهول في الصفحة الأولى للكمبيوتر, أحرص على التحدث مع الأصدقاء العرب بلهجتي المصرية في اعتزاز لا يقلل من احترامي للهجاتهم, ولكن الاعتزاز بجذوري وأصولي في أشياء كهذه يصبح أمراً لازماً على أي مغترب يكنّ الحب لوطنه.
يسوؤني كثيراً أن أجد مصرياً مغترباً يتنكر لكل هذه الأشياء التي تبدو له صغيرة وما هي بصغيرة. قد يكون إحساسي بهذه المشكلة أكثر من غيري وقد لا يشعر بها على الإطلاق من يقيم في بلده, ولكن عملي مع جنسيات مختلفة على مدى أربعة عشر عاماً عشتها في هونج كونج تجعلني أرى هذا الأمر على غير ما يراه الآخرون. هناك من المصريين الذين يعملون في قنصليات عربية من يتخلون عن لهجتهم المصرية حين يتحدثون مع مدرائهم في العمل ويتبنون لهجتهم الخليجية طمعاً في رضاهم وما يترتب على هذا الرضا من علاوة أو مكافأة! أجد نفسي حين أراهم هكذا قد أصبحت أكثر حرصاً من ذي قبل على إظهار مصريتي واعتزازي بها في أبسط الأشياء التي ذكرتها آنفا. أما هؤلاء المصريين الذين يتحدثون باللهجة الخليجية -مع احترامي الكامل لها ولأهلها- فليس لهم عندي أي نصيب من احترام, فحين يقيم المرء بالخارج يكون الاعتزاز بالوطن الرمز وإظهاره واجب وطني على كل مغترب, وليس هذا الاعتزاز يتناقض مع احترامنا للشعوب الأخرى ولهجاتهم وثقافتهم التي يجب هم أيضاً أن يفخروا بها.
قد يقول قائل بأن هناك الكثير من الخليجيين الذين يتحدثون باللهجة المصرية فما المانع أن يتحدث المصريون باللهجة الخليجية؟ لا مانع إن كان الأمر يتم بين الأصدقاء وفي جو من المرح وحين يكون معلوماً أن هذا من باب الفكاهة, أما أن يتم بين مرءوس ورئيس في العمل وفي لهجة جادة طبيعية فهنا لا يكون أمراً مقبولاً ولا طبيعياً ولا ينبغي عليّ كمصري مغترب أن أتناوله بتهاون, فما تنازل هذا المصري المغترب عن لهجته المصرية إلا جزءٌ من تخليه عن وطنيته ذاتها. العجيب أنه أحياناً ينسى نفسه فيتحدث باللهجة الخليجية مع المصريين أنفسهم! أما عن إتقان كثير من العرب للهجة المصرية فإنه شيء طبيعي نظراً لتواجد الثقافة المصرية في كل بيت عربي تقريباً بشكل أو بآخر سواء في أغنية أو فيلم أو كتاب أو معلم أو دراسة في مصر وما إلى ذلك من أوجه الثقافة المختلفة. ولكن ما سبب تحدث المصري باللهجة الخليجية؟ لا يوجد إلا سببٌ واحدٌ وهو سببٌ اقتصادي!
الوضع الاقتصادي الحرج الذي تمر به مصر والذي يجعل شبابها في أشد الحاجة للعمل في أحد دول الخليج ربما هو الذي يدفع بعض المصريين المغتربين إلى الشعور بالدونية والتخلي عن لهجتهم والتحدث بلهجة أخرى. قد يكون هذا سبباً, ربما, ولكنه ليس مبرراً أبداً لمن يحترم تاريخه ويعتز به. إن هناك الكثيرين ممن يجيدون التحدث باللغة الإنجليزية وينطقونها نطقاً واضحاً ولكنهم يتعمدون ألا يغيروا لكنة لغتهم الأم, فتستطيع أن تميز بين الهندي الذي يتحدث الإنجليزية والفرنسي والإفريقي والياباني والصيني والكوري. احتفاظهم بلكنة لغتهم الأم هو إظهار لاعتزازهم بتاريخهم ووطنهم, إن كان هذا مع لغة أجنبية ربما يفضل أن تنطقها كما ينطقها أهلها, فما بالك مع اللغة العربية التي إن تحدثتها بلهجتك الأصلية سيفهمك القاصي والداني في الوطن العربي, بل إن كثيراً من العرب يفخرون بالتحدث باللهجة المصرية ويفخرون بأنهم نالوا تعليمهم في مصر وأنهم عاشوا في مصر ويعلنون أنها وطنهم الثاني. كثيرون في كل أنحاء العالم يفخرون بتاريخنا ويعلمونه جيداً إلا نحن المصريين!
| |
|