Admin الادارة
عدد المساهمات : 4925 السٌّمعَة : 344 تاريخ التسجيل : 26/02/2011
| موضوع: ليلة القبض على العقيد القذافي وسؤال أين المفر؟ الجمعة 1 يوليو - 10:15 | |
|
ليلة القبض على العقيد القذافي وسؤال أين المفر؟
د.حمدي عبد الرحمن بعد مرور 100 يوم من العمليات العسكرية التي يقوم بها حلف شمال الأطلنطي في ليبيا، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم 26 حزيران (يونيو) 2011 مذكرات بالقبض على العقيد معمر القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس استخباراته العسكرية عبد الله السنوسي، وذلك بتهم ارتكاب جرائم قتل جماعي وجرائم ضد الإنسانية. وإذا كان هذا التطور يعد إيجابيًا في منظور العدالة الدولية، فإنه أضفى في الوقت نفسه مزيدًا من التعقيد والتشابك على الصراع الدائر في ليبيا، وأصبح الحل التفاوضي بعيد المنال أكثر عن ذي قبل.
ولعل طبيعة شخصية القذافي المتقلبة التي يصعب التنبؤ بردود أفعالها تسهم بشكل واضح في صعوبة فهم المشهد السياسي الليبي. إذ ربما يفاجئ القذافي الجميع ويلجأ إلى الصحراء الليبية المترامية الأطراف ليقود عمليات حرب عصابات تهدد بإطالة أمد الصراع في ليبيا، أو أنه ربما يُؤْثِر السلامة لنفسه وأسرته فيقبل بخروج آمن قاصدًا إحدى الدول التي لا تعترف بنظام المحكمة الجنائية الدولية. وقد وصف الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك هذه الطبيعة الغامضة للقذافي بقوله: ''إنه شخص صعب المراس، يتمتع بسمات كارزمية، وهو عنيد لا يرحم معارضيه؛ وعليه ستكون المعركة من أجل التخلص من نظام حكمه صعبة جدًا''.
مسارات دولية متباعدة
يمكن الحديث عن مسارات ثلاثة قد تبدو متباينة أو على الأقل غير متجانسة بشأن التعاطي مع الأزمة الليبية. فالمسار الأول عسكري في الأساس، يقوده ثوار ائتلاف 17 شباط (فبراير)، وبمساعدة جوهرية من حلف شمال الأطلنطي الذي يقود حملة لا هوادة فيها ضد الآلة العسكرية لنظام العقيد القذافي. وبالفعل نجح الثوار في تضييق الخناق على القذافي الذي بات شبه معزول في مخبئه الحصين في العاصمة طرابلس. وعلى الرغم من وجود انقسامات بين أعضاء الناتو والتحالف الدولي المساند له حول طبيعة المهمة العسكرية في ليبيا وتفسير التفويض الدولي الخاص بحماية المدنيين في ليبيا، فإن الفترة الماضية شهدت ولأول مرة تقدمًا ملحوظًا لقوات الثوار على حساب كتائب القذافي. وقد أكد هذا المعنى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية في تقرير له قدمه لمجلس الأمن، حيث أشار إلى أن الثوار الليبيين يمتلكون زمام المبادرة على الساحة العسكرية في ليبيا.
على أن أخطر ما يواجه هذا المسار العسكري هو وجود تململ لدى بعض الحلفاء الغربيين. فإيطاليا طالبت بوقف القتال للسماح بمرور المساعدات الإنسانية، كما أن المشرعين الأمريكيين في مجلس النواب الأمريكي قد وجهوا ضربة رمزية لسياسة الرئيس أوباما في ليبيا، حينما رفضوا التصويت لمصلحة قرار يجيز التدخل العسكري الأمريكي المحدود في ليبيا لمدة عام.
أما المسار الثاني فهو سياسي، وتقوده لجنة وسطاء الاتحاد الإفريقي التي تضم رؤساء جنوب إفريقيا وموريتانيا والكونغو ومالي وأوغندا. وقد عقدت اللجنة التي زارت ليبيا من قبل اجتماعها الثالث في العاصمة الجنوب إفريقية بريتوريا، حيث طالبت بضرورة وقف إطلاق النار وتأمين وصول المساعدات الإنسانية. وعلى الرغم من الانقسام الواضح بين الدول الإفريقية تجاه الأزمة الليبية، فإن الاتحاد الإفريقي يرى أن عمليات حلف الناتو قد تجاوزت التفويض الدولي الممنوح لها بمقتضى القرار 1973 الذي يؤكد ضرورة حماية المدنيين وتيسير جهود الإغاثة الإنسانية في ليبيا. ويرى الوسطاء الأفارقة أن حلف الناتو يسعى حثيثا إلى تغيير النظام القائم في ليبيا. ولعل ملامح الموقف الإفريقي تكون أكثر وضوحًا مع انعقاد القمة الـ17 للاتحاد الإفريقي في غينيا الاستوائية خلال الفترة من 30 حزيران (يونيو) حتى تموز (يوليو) 2011.
ويتمثل المسار الثالث المؤثر في الثورة الليبية في موقف المحكمة الجنائية الدولية؛ إذ ينظر الكثيرون إلى قرار المحكمة باعتقال القذافي على أنه انتصار للعدالة الدولية ورسالة للطغاة والمستبدين من الحكام بضرورة النظر في عواقب أفعالهم. لقد اطلع قضاة المحكمة على وثائق تربو على 1200 وثيقة، وكذلك إفادات أكثر من 50 شاهدًا قدمها المدعي العام الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو. وعليه؛ فإن بعض الخبراء يرون أن المجتمع الدولي في عمومه أصبح يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية بضرورة تسليم العقيد القذافي لمرفق العدالة الدولية.
وعلى الرغم من الانتقادات الحادة التي توجه للمحكمة الجنائية الدولية، فقد انضمت إليها حتى الآن 114 دولة، فضلاً عن 34 دولة أخرى على رأسها روسيا الاتحادية وقعت على اتفاقية روما المنشئة للمحكمة، ولكنها لم تصادق عليها بعد. وهناك دول أخرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل ترفض الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية جملة وتفصيلاً.
وتجدر الإشارة إلى أنه على مدى السنوات التسع الماضية من عمر المحكمة، تم إصدار مذكرات اعتقال بحق 14 شخصًا من بينهم اثنان على رأس السلطة في بلديهما، وهما الرئيس السوداني عمر البشير والليبي معمر القذافي. كما تم استدعاء تسعة أشخاص آخرين. بيد أنه لم تتم إدانة أي متهم حتى الآن. ونظرًا لأن معظم الحالات التي تنظرها المحكمة ترتبط بالصراع في جمهورية الكونغو الديموقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى، فقد رأى كثير من النقاد أن المحكمة أنشئت للأفارقة فقط دون غيرهم، وهو ما يقلل من مصداقية هذه المحكمة الدولية.
دلالات سياسية ونفسية
من المعلوم أن مذكرة الاعتقال الدولية في حق القذافي لن يكون لها تأثير سياسي حقيقي، وتؤدي إلى محاكمة فعلية إلا في حالة دخول الثوار العاصمة طرابلس، وتمكنهم من إلقاء القبض على القذافي حيًا. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى حالة الرئيس السوداني عمر البشير الذي صدرت في حقه مذكرة اعتقال دولية منذ ثلاث سنوات، وهو لا يزال على رأس السلطة في بلاده حرًا طليقًا، ضاربًا بقرار الجنائية الدولية عرض الحائط.
وعليه؛ يمكن تفهم البعد النفسي والسياسي لقرار اعتقال القذافي، حيث إنه بمنزلة انتصار معنوي لمعارضيه داخل ليبيا وخارجها. فقد عمت الأفراح شوارع بنغازي ومصراتة وغيرهما من المدن الليبية المحررة؛ ابتهاجًا بإدانة القذافي ومن معه. ولا شك أن ذلك الحدث يسهم كذلك في نزع الشرعية عن نظام العقيد القذافي في الوقت نفسه الذي يسهم فيه بتعزيز المكانة الدولية للمجلس الوطني الانتقالي في بنغازي. وتفتقد المحكمة الجنائية الدولية وجودَ آليات محددة لتنفيذ أحكامها. ولذلك يبدو من الصعوبة بمكان تنفيذ قرار اعتقال القذافي ومن معه، حيث إن قوات الناتو تبدو غير راغبة في نشر قوات برية في ليبيا، وإن حدث مثل هذا الأمر ولو تحت اسم آخر مثل قوات حفظ سلام دولية، فإنه من الممكن عندئذ تكرار سيناريو ساحل العاج، حيث تقوم القوات الدولية بمساعدة الثوار في إلقاء القبض على القذافي. وعلى ضوء المتغيرات الراهنة فإن جيش الثوار الذي يعاني سوء التنظيم وقلة المعدات الحديثة والمتطورة لا يستطيع النفاذ إلى ترسانة القذافي الحصينة في طرابلس.
وثمة مجموعة من المتغيرات الداخلية في ليبيا تقلل من جدوى قرار الجنائية الدولية ضد القذافي، حيث يوجد العديد من الأنصار والمؤيدين للقذافي سواء من أفراد قبيلته الذين ينظر إليهم بوصفهم مواطنين من الدرجة الأولى أو من المنتفعين بنظامه. وعلى ذلك يستطيع القذافي إن ضاق عليه الخناق أن يجد ملاذًا آمنًا بين أهله وعشيرته.
خيارات محدودة
يرى بعض الخبراء أن القرار الدولي باعتقال القذافي قد زاد الأمور تعقيدًا في ليبيا، حيث أضحت الخيارات أمام القذافي محدودة كما كانت من قبل، حيث أصبح أمامه خياران لا ثالث لهما: إما القتال حتى الرمق الأخير أو الاستسلام. فإذا فكر العقيد القذافي في التنحي نهائيًا عن السلطة والابتعاد عن المشهد السياسي تمامًا، فإن ذلك يعني ضرورة مناقشة توفير الحماية القانونية له من خلال تجميد الحكم الصادر ضده من الجنايات الدولية.
وعلى أي حال، يمكن الحديث عن سيناريوهات ثلاث لمسار الثورة الليبية بعد قرار الجنائية الدولية: السيناريو الأول يشير إلى إمكانية إطالة أمد الصراع واستمرار التدخل الدولي في ليبيا. فعلى الرغم من المساندة الغربية للثوار، فإنهم لا يزالون يجاهدون من أجل الحفاظ على المواقع التي سيطروا عليها منذ بدء الانتفاضة. كما أن التقدم الذي يحرزونه اليوم قد يمكنهم من استعادة بعض المناطق التي سبق لهم السيطرة عليها مثل مدينة الزاوية الاستراتيجية. بيد أن هذا السيناريو ليس في مصلحة القذافي، حيث إنه يؤدي إلى فقدانه مصادر الدعم والتمويل بمرور الوقت، كما أنه يعطي الفرصة لمزيد من الانشقاقات في صفوف مؤيديه.
السيناريو الثاني وهو يشير إلى إمكانية تنحي القذافي طوعًا أو كرهًا. ويبدو أن اعتراف بعض قادة الناتو العسكريين بأن الاغتيال السياسي للقذافي أمر وارد يسير في هذا الاتجاه. وثمة تقارير استخباراتية غربية تفيد بسعي الحلفاء لتصفية القذافي. وربما يتم التوكيد على هذا المنحى بعد أن أصبح القذافي مطلوبًا أمام العدالة الدولية. وعلى أي حال فإن منحى تنحي القذافي من خلال إيجاد حل تفاوضي أو تصفيته جسديًا عن طريق القتل أو الاغتيال قد يمهد الطريق أمام تحول ديموقراطي حقيقي في ليبيا.
أما السيناريو الثالث، وهو الأسوأ، فإنه يشير إلى إمكانية انزلاق ليبيا في أتون الحرب الأهلية حتى لو تم التخلص من القذافي. فثمة انقسام واضح في الهوية الليبية بين المناطق الشرقية والمناطق الغربية، كما أن تغير الولاءات القبلية ووجود الأسلحة في أيدي السكان قد يؤدي إلى استمرار الصراع المسلح في ليبيا، وهو ما يهدد أمن واستقرار منطقة الشمال الإفريقي ككل، ولا سيما الأوضاع الانتقالية في كل من تونس ومصر.
فهل يتخلى العقيد القذافي عن مجده الشخصي ويحقن دماء شعبه ويحافظ على أمن واستقرار جيرانه العرب والأفارقة؟ إنه لا مفر أمام القذافي اليوم سوى أن يسطر نهاية عهده طواعية، أو أن يتحمل العواقب التي سيدفع ثمنها معه الملايين من أبناء شعبه.
| |
|